Nombre total de pages vues

vendredi 4 mars 2011

جدوى الدرس السوسيولوجي


دلفت مكتب البريد المقابل لساحة جامع الفنا بمدينة مراكش , لأسحب مبلغا ماليا , بعد أن شاهدت عروضا مختلفة و عجيبة في ذات الوقت بهذه الساحة .

أبصرت عن شمالي لوحة إلكترونية وضعت حتى يضغط الزبون على الخدمة التي يرغب فيها , ليحصل على تذكرة مرقمة تنبئه بدوره أمام شبابيك موظفي المكتب . بعد برهة دخلت أروبية يظهر أنها فرنسية المنشأ مكتب البريد لشراء طوابع بريدية, لعلها تريد إرسال تذكار لأصدقائها هناك خلف البحر. لم تلحظ صاحبتنا اللوحة الإلكترونية , و أمام حيرتها إزاء كيفية اقتناء حاجياتها تقدم شاب في مقتبل العمر ليدلها على هذه الأخيرة و يريها طريقة الاستعمال و كيفية الحصول على التذكرة , بالرغم من أن اللوحة الإلكترونية تضم إرشادات بلغتها الأم .

و لما حصلت على التذكرة بدا على محياها الإنبهار الذي لم تستطع إخفاءه , فتقدمت للشاب بالشكر و بابتسامة علها تداري ذلك الإعجاب الذي ظهر فجأة .

فقد كانت قبل دقائق معدودة وسط جامع الفنا , ذاك الملتقى الثقافي و الإثني حيث يجتمع الرواة والبهلوانيون و الموسيقيون و الراقصون و مروضو الأفاعي و العرافون...مشاهد و وقائع تعبر عن المغرب العتيق , حيث التركيب و الإختلافات الثقافية و الإثنوغرافية داخل هذا الهنا تثير الدهشة و تستفز لديك عشرات الأسئلة الحارقة . في أي مجتمع نحيا؟ ما هي طبيعة مجتمعنا المغربي؟ هل هو فيودالي أم رأسمالي ؟ قبلي أم أبوي ؟ مجتمع يظل عصيا على التصنيف و التجنيس .

في نفس اللحظة تصطدم صاحبتنا بنظام معلوماتي و بيسر التواصل و التخاطب بلغات أجنبية.سلوكيات وأشكال نمو و تطور حضاري تكشف عن حداثة تملأ المكان .

كيف يمكن تحويل الإختلافات الإثنوغرافية و الثقافية و الجغرافية...إلى ثروة ثقافية عوض استغلال التركيب و الإختلاف و تسخيره سياسيا و الزج بالمغرب في غيابات التفرقة تماما كما فعلت السوسيولوجيا الكولونيالية و تفعل هنا و الآن بعض الإيديولوجيات التي تصنف المواطنين المغاربة إلى درجات حسب الجنس و اللغة و الدين و الطبيعة الجغرافية؟

بل ليس فقط الإبقاء و الحفاظ على هذه الثروة الثقافية و تجميدها كمتحف فولكلوري تشرع أبوابه كلما زار بلادنا أجنبي أو كلما راودنا حنين عبق الزمان التليد , و إنما كيف يمكن توظيف هذا الكنز في سياق إمكاناتنا و طاقانتا بما يفيد مستقبلنا العلمي و اختياراتنا الواعية المنبنية على العقلنة و الترشيد.

أثار لدي هذا الموقف تساؤلات عدة . كنا بالأمس القريب نمر على ذات المواقف و المشاهد دون أن نعيرها أهمية تذكر.  وهي الحبلى بالمؤشرات و المعلومات اليومية التي تلتقطها أعيننا من الشارع أو في أماكن عديدة و حتى التي يمكن لملمتها بين السطور القابلة للإدراك. إدراك التابث و المتغير, إدراك الناشئ من الوقائع و الزائل منها .ألم  يخبرنا لويس سانتوس بأن المجتمع و ما يعتمل داخله يقدم لنا الأسئلة و الإجابات و التفاصيل ؟

إن موقفا قد يبدو في أحايين كثيرة " كموقف صاحبتنا" عابرا, إن لم نستبدل ملاحظتنا البيولوجية له بملاحظة سوسيولوجية , و لنقل بعين سوسيولوجية قادرة على تشفير الرموز و إعمال النظر و التفكير في مختلف تضاريس هذا الموقف .

و منه نقول إن إنتاج المعنى المفضي للفهم يتأتى من خلال الدرس السوسيولوجي الذي يمكننا من وسيلة تنظيم الوقائع الإجتماعية و الحكم عليها , على شاكلة مغايرة لقراءاتنا السابقة.

و بالمقابل فالدرس السوسيولوجي يعد أصعب الدروس و أعمقها لفهم الوقائع , فليس ثمة أرائك مصفوفة في اتجاه الدرس السوسيولوجي . إنه ذاك الذي يخلف لديك قلقا و انهجاسا بالتساؤل . ألم يخبرنا بورديو بأن مهمة السوسيولوجيا تفجير السؤال النقدي. نقد التفاسير الجاهزة التي أطلقت و تطلق على المجتمع المغربي و التي ترتكن إلى المقاربات المطمئنة أحيانا و الكسولة أحايين كثيرة.

و غني عن البيان أن  الدرس السوسيولوجي يفترض التجرد الجزئي عن الذات حتى نصير موضوعيين , من تلقاء ذواتنا , في تعاملنا مع الواقعة الإجتماعية. فحتى يتسنى لنا فهم هذه الأخيرة يلزم قبلا ترك مسافة معينة بيننا و بينها و الرجوع إليها للتأثير فيها بعدا. و بعبارة أدق فإن الدرس السوسيولوجي يجعلك دائما على استعداد لملاحظة التغيرات و فهمها عبر عمليتي الهدم و البناء لمزيد من الفهم و الإحتواء .

و الواقع أن هذا الأخير لا يدعي لنفسه الفهم الدوغمائي للأشياء و بلوغ الحقيقة المجردة , بل ينهجس بالإقتراب من أحوازها عبر التساؤل و التفكير و التفكيك. فكل جواب يبطن بين ثناياه سؤالا جديدا حول شروط إنتاج الواقعة الإجتماعية و إعادة إنتاجها. إن الدرس السوسيولوجي هو محاولة تمهيد الطريق  بواسطة مجموعة من المقاربات و الخطاطات الخاطئة و المصيبة , حتى يصير بالإمكان إعادة قراءة الوقائع الإجتماعية , من أجل فتح سبل جديدة للدرس السوسيولوجي.

ألم يقل ماكس فيبر" كلنا نعلم , في مجال العلم , أن عملنا سيصبح متجاوزا بعد عشر سنوات , أو عشرين أو خمسين سنة . و كل عمل علمي مكتمل لا يعني في الحقيقة سوى الشروع في طرح أسئلة جديدة , و يقتضي بالتالي تجاوزه. و على كل راغب في خدمة العلم أن يرضى بهذا المصير"




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire